نميل إلى القول بأن شخصية سكويلر توظف بعناية ودقة من أجل استدامة حكم المستبد وتعبيد الطريق أمام تنزيل أفكاره التحكمية و قراراته الجائرة وطموحاته النرجسية البغيضة. تحظى هذه الشخصية بحضور وازن في كل مكان وزمان وبوسائل مختلفة وتجليات متنوعة، لكن من أجل تحقيق نفس الأهداف المتمثلة في تشويه الحقائق، قلب الوقائع، اللعب بمشاعر
.العامة، الإيهام، التضليل، تمويه وتشتيت الانتباه عن القضايا الحقيقية، وخلق الانفصام بين الواقع والإدراك من خلال فرض واقع متخيل يخدم مصلحة الحاكم
تمتلك هذه الشخصية ملكات استثنائية تعينها على أداء وظيفتها بسهولة وتميز وتفوق. من بين مهاراتها وملكاتها نؤكد على: فصاحة لغوية رهيبة، سلاسة في التواصل، سرعة البديهة، ذكاء حاد، قدرة على امتصاص غضب الآخر والسيطرة عليه ، ضبط النفس، مكر دفين، لغة جسد فعالة، قدرة على أسر العقول والتلاعب بها والنيل من إدراكها. أيها الفاضلات والأفاضل نحن بصدد الحديث عن شخصية كاريزمية لا تتأثر بالعواطف ولا تقيم للأخلاق والقيم وقارا، تعرف الهدف الواجب بلوغه، تؤمن به وتتفوق في الوصول إليه بنجاعة وفعالية وثقة في
.النفس
تظهر الشخصية في الرواية بتدرج وتريث وفي الوقت المناسب وتنمو مع تعمق تمظهرات مفاصل الحكم الجائر الذي اختطف الثورة وزيف فكرها وعقيدتها وأجهز على أهدافها ثم تكتسب النضج والفعالية في الأداء مع تقدم الأحداث فتغدو شخصية مفصلية في نسق النظام وفاعل حاسم عند ظهور بعض الإرهاصات التي تنذر بالخطر وإمكانية انبعاث اليقظة بين أفراد الشعب ثم الإقدام على التغيير. يتحول سكويلر إلى مؤسسة قائمة بذاتها في قلب نسق النظام المستبد وترصد لها ميزانيات ضخمة، توظف طوابير من الكفاءات من علم النفس، علم
.الاجتماع، الفلسفة، الاقتصاد، القانون وشرذمة من الانتلجنسيا المرتزقة
تبدي شخصية سكويلر ما لا تبطنه من المكر والغدر وما يخفيه النظام من مخططات السيطرة والإخضاع والاستبداد. إذ رغم ادعائها التفهم والانفتاح على مخاوف الناس وأوجاعهم، فإنها حقيقة تخدم مصلحة الحاكم صاحب الرؤية الأحادية و المجرم لحق الاختلاف والمعارضة وتداول السلطة والغير قادر على التعاطي مع مطالب الناس لعدم قدرته على إبداع الحلول ولا يمتلك الرؤية المستقبلية المنسجمة مع الجميع مادام مسعاه ينحصر أساسا في استدامة الوضع القائم والاستفراد بخيرات البلاد. ضمنيا ورغم ارتدائها جلباب اللطف واللين فإن شخصية سكويلرتقود حربا سيميائية ناعمة من أجل قلب الباطل إلى حق ومنحه الشرعية الشعبية و تقوم بسلب طموحات الناس واختطاف أحلامهم وتطلعاتهم وجرهم إلى سلسلة
.مفرغة من الأوهام والأكاذيب وتقييدهم بأغلال التبعية والوصاية الأبدية
تم نشر المقالة على العربي الجديد 30 مارس 2024 أنقر