مقاربة لمفهوم الفقر
May 6, 2016
عن مفهوم الصفاقة
May 19, 2016

الارتهان إلى الماضي واستجداء عطف المستقبل

يتأثر سلوكنا اليومي بمزيج من التأثيرات التي تحيط بنا من كل جانب انطلاقا من تربية الأم، مرورا بالمدرسة إلى البيئة الخارجية المتعلقة بالعمل و الاحتكاك اليومي مع الناس و ما يترتب عن ذلك من تفاعلات وردود فعل

عند كل انتكاسة غالبا ما نميل إلى إلقاء اللوم على طرف آخر نحمله أسباب الإخفاق فتارة نلوم الأقارب بدءا من الوالدين أو الإخوة، وتارة يقع اللوم على أحد الأصدقاء أو رفقاء العمل و أحيانا نتجه إلى الحظ أو سوء الطالع. فقليلا ما يكون النقد ذاتيا وعقلانيا وبذلك تكون كيفية إدارة أزماتنا عقيمة. فلا نملك شجاعة مواجهة الذات و الاعتراف بنواقصها و عيوبها التي لا تحصى

كل منا متعلق بالماضي و أمجاده، فالتاريخ الإسلامي غني بالإنجازات التي تدعو إلى الافتخار والتباهي. غير أن عملية الإسراع بإجراء مقارنة بين الوضع الحالي والماضي البعيد بتجاهل (عن إدراك أو غير إدراك) الفوارق الكبيرة بين العصرين تعتبر من العبث بمكان. عند مواجهة كل مشكلة (ولو كانت صغيرة) غالبا ما يتجه تفكيرنا إلى الماضي ونلوذ بالفرار تلقائيا عن مواجهتها و تجاوزها
فلكل عصر مميزاته ورجالاته، ونتاج كل مرحلة يتأتى من اجتماع عناصر نوعية مميزة. لا يبدو هناك أي سبيل لإسقاط هذا العهد على العهد الآخر. لكل عصر أبجديات يجب فهمها في إطار نسقها الزمني وما يحيط بها من عناصر دخيلة. فهل عصر الخلفاء الراشدين هو عصر العولمة حيث إسقاط حدود الدولة القطرية
فالماضي يحيل على حدث وقع وانقطع. فهناك إذن بداية ونهاية للحدث وهناك انقطاع عن الحاضر. ربما يعوذ ذاك الحدث للوقوع في إطار دورة التاريخ، لكن كيف سيعود وما هي التجليات التي سيستعيرها. فالماضي عبر ودروس وهناك هفوات و أخطاء يستوجب تجنبها من خلال دراسة التاريخ و الاهتمام بإسهامات المؤرخين. غير أن الاقتصار على الخوض في التاريخ و الرجوع إليه لفهم الواقع (كما ندعي) دون الشروع في بناء المستقبل من خلال هذا الواقع يدخلنا في سلسلة مفرغة دون جدوى. سلوك كهذا يطبع الفرد قبل الجماعة

هناك من يدعو إلى تطبيق الشرع كما حدث عند بداية الإسلام دون الاكثرات بالتباينات بين العصرين وحتى بين نوعية الناس. كيف سيتم تطبيق الشرع وباب الاجتهاد تم إغلاقه منذ قرون؟ كيف يمكن تجاهل المعاهدات الدولية الملزمة ونحن في وضع الضعيف المهزوم، كيف يمكن مواجهة حصار إن طبق عند كل محاولة تمرد ونحن لا نحقق حتى الاكتفاء الذاتي الغذائي؟ نحن لا نملك مصيرنا ولا حتى اختياراتنا
إتباع فقه السلف الصالح و استغلال ذاكرتنا الغنية دون الأخذ بعين الاعتبار بهذه الفوارق وعدم فتح باب الاجتهاد العقلاني المواكب للتحولات و المستجدات سيعود بنا إلى عقود خلت من التخلف و الجهل
من جهة أخرى هناك من يدعو إلى السير على منوال تجارب الدول الغربية و الشروع في مسلسل التغريب (الغربنة) دون الاهتمام بإرث الماضي. فالعملية هي بمثابة انفصام عن الثقافة الأم ومحاولة الانخراط في تجربة بمميزات وخصوصيات مخالفة تماما لما هو طبيعي

التياران يبدوان كمحاولة هروب من مواجهة الواقع المرير و إكراهاته والتأسيس لرؤية اتكالية نرجسية متفائلةهناك من يحاول الانخراط في الواقع ويدعو إلى إصلاح واقعي، غير أنه غالبا ما ينعت بالخائن والجاهل لطرحه لكل ما هو مخالف لما هو معهود و متداول و إفصاحه عن شجاعة في مواجهة الوضع الحالي بكافة تبعاته

غالبا ما نسمع عبارة سنعيد الأمجاد سواء الفردية أو الجماعية والتي تنم عن تعلق حتى النخاع بالماضي وطرح لأماني بعيدة المنال. ربما سيكون أبلغ إن تم الإفصاح عن خطة لمواجهة الحاضر و صناعة أمجاد المستقبل باتباع سبل واقعية تحترم أخلاقياتنا و قناعاتنا

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *