تكتسي مسألة التواصل أهمية قصوى في حياتنا اليومية خصوصا بعد ثورة المعلوميات وهيمنة الشمولية على كوكبنا الأرضي في عصر صار يعرف بعصر المعلومات. فن التواصل يبدو عملية بسيطة في متناول كل واحد منا غير أن التمعن في معنى المصطلح سيجعلنا نتحدث عن مسار تتخلله مجموعة من العمليات المتتالية. لذلك عادة ما نميز بين لغة الجسد (بما فيها تقاسيم الوجه) واللغة الشفاهية. فالتواصل يصير بذلك عملية معقدة تجمع بين الملكة و الاكتساب
نتحاور مع أصدقائنا، أفراد عائلتنا، فريق العمل و الغرباء غير أن تواصلنا لا يكون ناجحا بالأساس، فهناك عدة عوامل داخلية وخارجية ( عوائق) تلوذ بالحوار إلى الفشل من بين هذه العوائق نتحدث عن عائق ذاتي نفسي في غاية الأهمية ألا وهو التعصب للرأي. معظمنا لا يتحمل التحاور مع شخص من هذه العينة وربما يكون هو نفسه منها و لا يدرك ذلك تماما. فالتعصب للرأي يعني إقصاء الآخر قبل الإنصات إليه وإبداء نوع من الديكتاتورية الفكرية و تكريسها على الآخر
عند التحاور مع شخص ما، يجب التجرد من جميع الأحكام المسبقة، حسن الظن بالآخر، الإنصات ومحاولة فهم وعي الآخر، محاولة التكيف مع مستوى المحاور سواء أكان من مستوى فكري عال أو متواضع، إبداء الرأي بكل صراحة ونزاهة، التعبير عن الرأي المخالف بطريقة لَبقة و عقلانية، الحرص على دقة معاني الكلمات المستعملة، طلب التوضيح عند الحاجة، تجنب استعارة بعض الكلمات التي تعني الإقصاء و التكبر من قبيل:أنت مخطئ، أنت على ضلالة، رأيك ليس له أساس من الصحة، تجنب استعمال كلمة “أنا”، الحفاظ على هدوء النفس ومحاولة تطوير حوار حضاري رفيع، عدم الخوض في المواضيع التي ليست لنا دراية بها والانسياق مع الجدل العقيم. فنحن أمة لا تقرأ و لا نعرف حتى أسماء مفكرينا و نجهل ذاكرتنـــــا و مع ذلك ننظَّر في السياسة ، الدين، علم الاجتماع، الاقتصاد وندَّعي المعرفة ونبدي أحكاما خاطئة و لا نتوقف. نحن ضحية ما نستمده من وسائل الإعلام التافهة والمضلّة، ومصادرنا ليست متنوعة
فالتعصب للرأي يولد من رحم الجهل، الإعجاب بالنفس و التكبر، فلا رأي أصح من رأيي وفي بعض الأحيان لا أقبل حتى النقاش. كما ينتج التعصب عن عدم توازن التكوين النفسي للفرد وعدم قبوله الهزيمة، فإذا كان رأيه خاطئا فذلك بمثابة هزيمة في اعتقاده وليس اغناءا للرصيد المعرفي. يفسر كذلك بالأنانية و حب الذات فلا ملكة أعظم من ملكاتي الذاتية
كما يأتي التعصب من وسط أسري يسوده الرأي الواحد الذي لا يمكن أن يخطئ ألا وهو رأي رب الأسرة فتصبح هناك تراتبية التعصب تستمد من الأب إلى الأبناء ( خصوصا ) الذكور فتشتغل بذلك الجينات و يمكن أن يفسر ذلك بمعطيات بيولوجية
على العكس من ذلك فالحكيم ( المحاور الجيد ) دائما ما هو في بحث عن الحقيقة، لا يدعي المعرفة و لا يستأثر بآرائه، فهو ينظر للأشياء بطريقة مخالفة لما هو معتاد وبذلك يكون الحوار معه شيّقا وغَنيّا. فحسب مقاربته الشخصية فرأيه ليس بالصائب حتى يثبت العكس
التحاور فن الأفاضل من الناس والإقصاء أسلوب المستبد الضعيف الذي يهاب التنوع والاختلاف رغم أن الكون لا يستمر إلا باستمرار التنوع البيولوجي الطبيعي