انقلب الوضع إلى النقيض وتسيدت الرداءة والانحطاط والنمطية وتوفر المادي وطغى مقابل أفول كل ما هو معنوي. انحصرت القدوة في شخص من يزاول الغناء والتمثيل والرياضة وودعت النجومية أصحاب الفكر والمعرفة والإخلاص والأداء السليم. هل يمكن إذن الحديث عن عملية الإجهاز على القدوة مقابل صناعة البديل الشبح الرديء؟
دون شك مع توغل الفكر الامبريالي الرأسمالي المتوحش وإخضاعه كل شيء لقانون العرض والطلب، صار الهاجس الأكبر عند السواد الأعظم من الناس يتمثل في كسب المال والبحث عن المنفعة المادية السريعة التي تشكل وتقنن لمجريات العلاقات البشرية. فأطلق بذلك العنان لغرائز الفردانية والأنانية والطمع مقابل انحصار واحتضار قيم التعاون والتضامن والعطاء بالارتكاز على الميل الفطري للنفس البشرية إلى كل ما هو سهل و عاجل ونفورها من مكابدة المشقة و النفس الطويل ، مما أفقد الروابط الاجتماعية كنهها الإنساني والاجتماعي واستعارت طابعا اقتصاديا متوحشا مستمدا من علاقات الإنتاج التي تحكم الدورة الاقتصادية
في وضع كهذا، صار هاجس تحقيق النجاح السريع والاغتناء السهل والشهرة الجارفة قاسم مشترك لدى اليافعين بحثا عن السهل المتوفر مع إبداء كل التمرد لأبجديات النجاح لدى الأجيال السابقة. باختصار هناك اعتقاد يميل إلى اليقين بوجود ضرب ممنهج للقيم لتسهيل سيطرة الرأسمالي على كل منابع الثروة والاستئثار بكل شيء
على المستوى الرسمي، يبدو أن هناك ميل إلى الإجهاز على القدوة وصناعة البديل المزيف الدخيل لخدمة أجندة معينة حيث تفتح الأبواب الموصدة للقدوة الشبح، إذ نجده يعتلي منابر الفكر والفن والإعلام وحتى مجال الوعظ. فيصيربمثابة قاطرة ثقافة البلد و أحد رموز النجاح فيه. فتغيب بذلك النجومية الحقيقية ذات الركائز المتينة وتسود النخبة الحاكمة وتلمع صورتها ويقتل كل ما هو ثقافي حقيقي بجعله في خدمة السياسي. بعبارة أخرى يتم إخضاع المجموعة ككل لمن يحكم و الذي غالبا ما يستمد مشروعيته من الخارج وليس من القاعدة الشعبية وتنحصر مخاوفه في الحفاظ على كرسي الحكم. النخبة الحاكمة تحكم وتسود أينما رحلت وارتحلت لا أحد يعلو عليها في واقع يتميز بغياب المؤسسات وبنيات المجتمع المدني الحقيقي
تعرض المواطن العربي للسرقة على جميع المستويات سواء من الداخل أو الخارج و ابتداءا من الثروة إلى حق تقرير المصير وتشكيل رؤية للمستقبل، لكن أن تطال السرقة الجانب الرمزي والمعنوي من مخياله الاجتماعي ورأسماله الثقافي فذاك جرم لا نجد له تصنيفا أو مبررا