على نفس المنوال، يبلغ المتعبد الصفاء والخلاص والطمأنينة عندما تنبعث عبادته من الحب الخالص في الإقبال عليها وليس فقط من باب البحث عن الأجر والخوف من العقاب عند التقصير. كل مواطن يقدم قيمته الإضافية من باب أداء واجباته المهنية والمعنوية باقتدار حينما تنبعث من روح الحب وجمالية العطاء. تستدام العلاقات الإنسانية البينية والجماعية و
.تتوطد كلما أسست على الحب الخالص وابتعدت عن الاعتبارات المادية النفعية الصرفة
نميل إلى القول أنه يصعب تعريف هذا المصطلح القوي المتحرك والرهيب الذي تستقر في أعماقه معاني وتجليات متعددة لقيم الجمال والعطاء والوفاء والإنسانية والنبل ونكران الذات
.والإحساس بالآخرين وتتجسد فنون اللباقة والتعامل والتعاطي مع فرح و مآسي الآخرين
لماذا الحب ؟
هل تستمر الحياة من دونه؟ وهل تستقر على معنى معين في غيابه؟ بكل تأكيد لا، إذ في حضوره تتدفق أنهار الحسنات والترددات التي تتحدى المقاربات الحسابية و تكتنز من النوعي والقيمي ما يتعدى ويترفع على حسابات المنطق والمصلحة. من رحم الحب تولد الطاقة الإيجابية التحفيزية بقوة دفع قوية نحو رفع التحديات وبعث الأمل و تحويل اللاممكن إلى ممكن باستشعار وجود الدعم والقناعة والإيمان بالجهد المبذول في سبيل تحقيق المبتغى. علاوة على ذلك، في رحاب الحب تنال الذات العناية النفسية والذهنية اللازمة لتحقيق التوازن وعدم
.الاستسلام للشك أو اليأس وتستقيم بالميل أكثر إلى حسن الظن بالناس و تصريف ينابيع القيم الإيجابية و قهر النزوع نحو النرجسية والأنانية وإنصاف فضيلة التواضع
كيف نتعلم أن نحب؟
قد لا ننكر حقيقة استقرار الحب في الوجدان وسطوته على المشاعر و دواخل الذات، غير أن هذا الأمر يحيل على القصور والتقصير إذا لم ينتقل إلى مقام العمل والتعبير المادي
.المحسوس
في الواقع لا يتوقف مقام الحب عند وضع المسلمات التي لا تحتمل التغيير أو النقاش أو التفنيد، بل يحتاج إلى عمل وجهد متواصل وتجديد من أجل النضج والتطور المستمر. فوضع
.المسلمات يفتح احتمال الوقوع في الجمود والكسل و النمطية ويمكن أن يتحول الوضع إلى تسريب بعض الأثر العكسي إذا غابت عنه العناية والمراجعة والمتابعة
يتأسس مسار التعلم على حب الذات والتصالح معها قبل أي شيء آخر مع الحذر من الوقوع في الأنانية والنرجسية. نرى أنه في حب الذات تجسيد ضمني لاحترام ملكاتها ومكنوناتها، مما يمنح الثقة في النفس ثم الانفتاح على الآخرين. كيف لذات معلولة تنبذ نفسها وتبدي الاحتقار وعدم الثقة لقدراتها أن تنفتح بايجابية على الآخرين وتساهم بعقلانية في مشاركة جمال القيم وتساهم في بناء بيئة البناء والإنتاج والارتقاء. يأتي بعد ذلك التعبير عن الحب بالسلوك والعمل وممارسة التسامح والتريث والابتعاد عن محاكمة النوايا والتماس الأعذار
.للآخرين وعدم تجاوز الخطوط الحمراء من أدبيات الأدب والخلق الجميل
.سيظل الحب قويا قائما متحديا لتقلبات الحياة وتعاقب الأجيال التي تسمو في حضوره وينالها المسخ في غيابه
تم نشر المقالة على العربي الجديد 14 مايو 2024 أنقر