الهشاشة في خدمةِ الحاكم
الذاكرة الجماعية
May 2, 2016
الارتهان إلى الماضي واستجداء عطف المستقبل
May 11, 2016

مقاربة لمفهوم الفقر

مع مرور السنين وتراكم التجارب يكتسب الواحد منا المزيد من النضج و المعرفة ويزداد إدراكا لماهية الحياة و حقيقتها

إذا كان الشخص مستقيما و مؤمنا بجوارحه و أفعاله فإنه يزداد يقينا بأن كل ما يقع في حياته هو من رحم حكمة ربانية لا تريد و لا تدبر له إلا الخير سواء في السراء أو الضراء

معظمنا عاش الفقر بشتى تجلياته و ارتقى في سلم تراتبيته وعانى الويلات في قعر محيطه الدامس، لكن كم منا نجا واستخلص العبرة و استفاد من تلك المعاناة. فإما النجاة أو الغرق ! فهناك من عاش فقرا مذقعا قبل فترة انتعاش وازدهار فتعلم قيمة الوقت والأشياء وهناك من عاش فقيرا طول حياته لكنه بقي عفيفا ثابتا قويا وهناك حالات متنوعة

الفقر اصطلاحا يعني العوز والحاجة، فهو يحيل إلى افتقار الشيء أو انعدامه بمعنى الحاجة إلى الشيء مع عدم استطاعة الوصول إليه. وتختلف معانيه باختلاف المكان والزمان، غير أن معظم المؤسسات الدولية تعرف الفقر بانعدام الحد الأدنى من لوازم العيش الكريم من تغذية، سكن، عناية صحية، تعليم إلى الشغل

نعني بالفقر هنا الفقر المادي أي الاستطاعة المادية وعدم القدرة على إشباع الحاجيات الأساسية للأفراد. فهناك أنواع عديدة من الفقر، يمكن الحديث عن الفقر المادي، الفقر الروحي ( أو الفراغ الروحي)، الفقر الأخلاقي، فقر اكتساب الرؤية و تحديد المصير، فقر المعرفة…غير أننا غالبا ما نقصد بكلمة فقر في تداولنا اليومي الفقر المادي. فالفقر يختلف من مجموعة لأخرى ويعرف حسب معايير متعددة. فالفقير الأوربي ليس بالفقير العربي، والفقير العربي ليس بنظيره الإفريقي لاختلاف إمكانيات كل مجموعة بشرية و تباين أنماط عيشها

الفقر عدو يجب محاربته وعدم الاستسلام له كما يروج لذلك بعض الظلاميين. فالإسلام ليس بدين الفقر والضعف بل على العكس من ذلك فالإسلام دين الثروة والقوة ما دامت سبل اكتسابها مشروعة
ليس عيبا أن يكون الفرد فقيرا، لكن كل العيب في الركون إليه و ترديــد مقولة هذا قـــدر الله و ما كــــان
الله عز جلاله يدعو إلى الأخذ بالأسباب والتوكل عليه بالعمل الجاد الصادق و الصافي من كل الشوائب

الفقر في حد ذاته مدرسة تلقن الإنسان قيمة الأشياء وكيفية الحصول عليها. تجعلنا طوعا أو كرها نؤمن بقيمة العمل وعدم التواكل على الآخر. تدعو إلى اكتساب قيم الصبر، المثابرة، تدبير الوقت، الأخذ بالأسباب، حسن الظن بالله، عدم الخنوع لليأس و الاكتئاب، إعادة النظر في استيعابنا لمفهوم الرزق و استبداله بمعنى عقلاني رشيد

كما هو معروف فقيمة الأشياء تحدد بندرتها لذا فافتقارنا لشيء معين يدفعنا إلى إدراك قيمته و أهميته و ما بذل من مجهود لاكتسابه. الفقر يهدينا من الناس من يحبنا حقيقة ولا يحابينا، يعلمنا الترفع عن كل علاقة إنسانية ملوثة بمصلحة ما، حب إنسانية الشخص و خصاله و ليس مكانته أو وضعه الاجتماعي ، الفقر يبعدنا عن النفاق الاجتماعي بكل أشكال أنانيته و يملأ فؤادنا بحب الآخر و الوطن

إذا أراد الله أن يغني شخصا ما فسيتم ذلك في سرعة البرق و لكنه ينزل كل شيء بقدر و حكمة غيبية لا يعلمه إلا هو

تتعدد أسباب الفقر و تتشعب ، فهو مشكل بنيوي و فردي. فالخاصية البنيوية تخص نظام المجموعة ككل. فالاحتكار وغياب المنافسة الشريفة، تسخير القانون لخدمة مصالح فئة معينة، غياب أقطاب الممانعة للأمر الواقع المفروض، انتهاك مبدأ المساواة و العدل كل هذه العوامل لن تؤدي إلا إلى اغتناء نخبة صغيرة و تفقير السواد الأعظم من المجموعة عند البداية وكل المجموعة عند نهاية المطاف
بخصوص الخاصية الفردية يمكن الحديث عن الكسل و اليأس، التواكل والريع، الغطرسة والأنانية، بعض الممارسات اللاأخلاقية كالزنا و الفساد، غياب الرؤية قبل الإقدام على كل عمل، عدم الاكتراث بعملية تدبير الوقت والمجهود، عدم اكتساب مهارات جديدة و التكيف مع متغيرات الحياة إلخ

الفقر المادي في اعتقادي يبقى أخف ضررا من الفقر الروحي و الأخلاقي . فالفقر الروحي و الابتعاد عن الله يؤدي إلى جميع أنواع الاكتئاب. أما الفقر الأخلاقي فإنه يحيل على معيشة ضنكا بئيسة لا معنى لها ولا ملاذ

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *