عند كل كبوة تتعالى صيحات تندد نظرية المؤامرة و تداعياتها على واقع الأمة المرير. فمع توالي الانكسارات ترسخ الاعتقاد بوجود مؤامرة تحاك ضد الأمة و مصيرها. دائما ما نعتقد أن الغرب وراء صياغة ما يسمى بالمؤامرة ونحن الضحية. القبول بلعب دور الضحية في حد ذاته استسلام لواقع الذل و الهوان الذي نعيشه عوض انتقاد الذات وفحص مكامن الضعف وفشل تجارب التنمية برمتها
فإذا قمنا بإسقاط بسيط لهذه النظرية على واقعنا فسنجدها تتفرع إلى عدة مؤامرات: فالأكثر شيوعا هي مؤامرة الدول الغربية على الدول العربية و الإسلامية، مؤامرة القيم اليهومسيحية على القيم الإسلامية، مؤامرة أمريكا و إسرائيل على القضية الفلسطينية، مؤامرة أمريكا و إيران على الأمة العربية. قد تكون هاته المؤامرات صحيحة و مضامينها موجودة غير أن المبالغة في خطورتها و محاولة إخفاء ماهو أخطر فذاك هو الهلاك الصريح
باستثناء محاولة بعض المفكرين الحقيقيين الكشف عن الغمة في واقعنا انطلاقا من محاولة فهم العقل العربي إلى مقومات و احتمالات تحقيق النهضة، لا نسجل أي محاولة من جهة رسمية إلى نقذ الذات و فحص أسباب الهفوات. فحتى عمر الحكومات قصير إلى درجة أنه لا يمكن الشروع في أي إصلاح كان، إذ بمجرد مجيء حكومة جديدة إلا وقامت بإلغاء ما سبق و بذلك تصبح قضية تحديد المسؤوليات مستحيلة
ربما نجد تفسير للاعتقاد المبالغ في نظرية المؤامرة من خلال نفسية الإنسان العربي المعتًد بنفسه و المتمرد على بيئته و الذي لا يقبل النقذ أو الخضوع، ولعل طغيان النزعة القبلية و الملموسة في شتى دواليب الدولة خير دليل على ذلك
كما أن المواطن البسيط يمارس هذه النظرية من خلال الاعتقاد بأن جميع خطواته محط اهتمام الآخرين و أنه ضحية ما يسمى بالعين، فالنقذ البناء والتمحيص الفعال ينطلق من خلال الفرد، ثم الأسرة ثم المجموعات البشرية الصغيرة لنصل إلى القمة وليس العكس. فمسلسل الدمقرطة يبدأ من الفرد الواحد ليصل إلى القمة : كيف لنا أن نطالب بالديمقراطية ونحن لا نمارسها على المستوى العائلي أو المهني
مصطلح نظرية المؤامرة تم توظيفه لأول مرة في مقالة اقتصادية سنة 1920 وتمت إضافته إلى قاموس أكسفورد سنة 1997م. فهو يحيل إلى فكرة وجود متآمر ( عادة الحكومات)والمتآمر عليه ( عادة الشعب) لإخفاء الحقيقة. ففعل التآمر غالبا ما يتم من جهة مجهولة على جهة معلومة ( لدى معتنقي النظرية) لأسباب بدورها مجهولة فيغدو مستقبلنا أيضا مجهولا. فكل واحد يخبط خبط عشواء فيسود واقع التيًهان والضياع