منذ فجر التهليل لزمن العولمة وما لازمه من وعود وتحذيرات لزمن جديد سيطبع التاريخ البشري ببصمته النوعية ، ونحن نعاين ونشاهد أحداث متسارعة لا نكاد ندرك منطق وقوعها أو ترتيبها
نتفق جميعا و بالجزم على أن ما يسمى بالعولمة أو الشمولية تزامنت مع الثورة المعلوماتية الهائلة التي طبعت نهاية عقد الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي، وساهمت بفعالية في إفراز تكتلات إقليمية كبرى وتكريس مبدأ البقاء للأقوى. وقد أضحت هذه التكتلات مسألة حياة أو موت و ليست مسألة اختيار لاعتبارات اقتصادية محضة أهمها اقتصاديات السلم والتنافسية
فزمن العولمة اتسم برفع الحدود و تقريب المسافات لذلك صار الكون عبارة عن قرية صغيرة. كما أصبح المواطن، كائنا عالميا في خذمة السوق العالمية
غير أنه مع القيام بتحليل عميق لما يقع حولنا، يتبين أن العولمة، كما، يلاحظ الجميع، عملت على إغناء الغني و تفقير الفقير.فمع آخر الابتكارات التكنولوجية ومدى سرعة تعميميها على الأسواق العالمية، هناك دول لازالت تفتقر إلى المواد الغذائية الأساسية كالقمح مثلا، و أصبحت المعادلة دول الإنتاج ( المحور) ودول الاستهــــلاك
( الهامش) مقدسة إلى أبعد الحدود وكل من تجرأ على تغييرها فمصيره محدد سلفا، كما أن مسلسل بلقنة الدول و تحطيم محور الممانعة أصبح من المسلمات في العلاقات الدولية باسم الشرعية ( الشرعنة الدولية) مما أدى إلى عولمة العنف و الإرهاب و الترهيب باسم الديمقراطية و القيم
ومع كل ما سلف ذكره، فالخطر هو البعد الثقافي و الحضاري، فوتيرة النزاعات و الحروب أصبحت كمتتالية هندسية، فهي نزاعات ذات طابع اقتصادي إلى أن الجوهر الحقيقي يبقى البعد الثقافي
كما أن مسألة خلق كائن اقتصادي أدت إلى استهذاف جميع الأبعاد القيم الإنسانية كالتسامح ، حب الآخر، نكرات الذات و الشهامة،…… فيما ارتفعت أسهم الأنانية، العدوانية، الفردانية والنجاح بجميع السبل سواء الشرعية أو غير الشرعية. لذلك نعيش و لسوء الحظ حقبة أفول كل ما هو أخلاقي وجميل لصالح كل ما هو غير أخلاقي وقبيح على جميع المستويات وبدون استثناء في إطار الصراع الأزلي بين المادة والروح، وخير دليل على ما نقول هو تفريغ الفنون من جماليتها وشحنها بكل ما هو مادي و استهلاكي وشيوع مبادئ التسويق على جميع المبادئ وكل تقدم تكنولوجي و تقني يوازيه بالمقابل انهيار مبدأ وقيمة إنسانية
فمسلسل التحديث عندنا يقوم على تقليد الغرب في الاستهلاك ونمط العيش لكنه مفرغ من كل محتوى يقوم على الإنتاج والإبداع. فماذا يمكن أن ننتظر من الجهل و التكنولوجيا (كاستهلاك) إذا تلازما؟
باختصار لا ننكر أبدا استفادتنا من العولمة باعتبارنا مستهلكين، غير أنه ما يجعلنا متشائمين وإلى أبعد الحدود هو مسلسل عولمة الفقر و التفقير، الجوع و الترهيب، الجهل و الجهالة، النفاق و الكذب، الفوضى المنظمة و الثورات،الإعلام الزائف والمزًيف للحقائق
فهل العولمة حركة دورية في إطار حركة التاريخ؟ أم هي مرحلة متقدمة من مسلسل الامبريالية تتحكم الدول الغنية في آلياتها ؟ أم يمكن اعتبارها ظاهرة عفوية أتت ضد توقعات الجميع؟
2 Comments
Thank you for the interesting topics .Good luck
You are welcome