العمل كقيمة معنوية
April 18, 2016
التعصب للرأي وحوار الجهالات
April 27, 2016

التــــواكـــل وتآكل المجتمع

لكل مواطن حق التمتع بمجموعة من الحقوق الطبيعية مقابل النهوض بمجموعة من الواجبات في إطـــار التزام معنوي و قانوني مقنن بما يسمى بالمواطنة. فكل فرد على حدة يسعى لتـــحقيق أقصى المكاســـــب والانجازات لكن مع اختلف في القناعات والمسالك المتبعة. تسيطر علينا بعض النزعــــات النفســـــــية كالفردانية الأنانية، حب الذات، الإحساس بالعظمة، والتعصب للرأي… غـــير أن القــــــدرة علـى كبحـها و إدراك خطورتها ليس بمقدرة الجميع إن لم تكن حكرا على زمرة من الناس

نعيش صراعا أبديا بين الروح والمادة، ولعل المادة تستمتع بنشوة التفوق في عصرنا الحالي، فكل ما هو مادي يطغى على سمو القيم و الأخلاق خصوصا في عصر الامبريالية الرأسمالية التي تشن حربا دون هوادة على كل ما يعترض توسعها  في أذهان الناس قبل الأسواق
كل هذا أدى إلى انتشار و طغيان بعض الأفكار الهدًامة التي تتناسل داخل خلايا الجسم كخلايا السرطان حيث تنخر كل مناعة أو ممانعة وتؤسس لاستقبال كل ما يروج دون أي نقد أو عملية تمحيص

يمكننا التحدث على التواكل الذي يطغى على سلوك السواد الأعظم من الناس ونلحظ مخلفاته من خلال مظاهر شتى. فالبعض يطمح إلى تحقيق النجاح أو جمع الثروة بأقل مجهود ( أو بمجهود منعدم) وفي أسرع وقت ممكن و ينعت هذا النهج بالذكي و الفعال

فمعنى فعل ″تواكل″ هو اتَكل ، اعتمد بعضهم على بعض، فالفعل ينم عن الاعتماد و التبعية للغير وينتهي بالضعف و الاستسلام، يتجلى التواكل في مجتمعنا من خلال مجموعة من المظاهر البسيطة لكنها عميقة الأبعاد. فعلى السبيل المثال لا الحصر،اعتماد الأبناء على الآباء في القيام بكل الواجبات المنزلية، عملية كراء الشقق و انتظار المداخيل عند نهاية الشهر دون مزاولة أي عمل آخر، اغتنام الفرص للحصول على مأذونية تضمن دخل سهل دون عناء و حرمان مستحقيها من ذوي الاحتياجات الخاصة، تواكل الحكومة على المطر وتفسير الأزمة بالجفاف، اعتماد الحكومات على قروض البنك الدولي لتمويل ميزانية التسيير و تقليص ميزانية الاستثمار، تملص الحكومات من جميع مسؤولياتها المادية أو المعنوية وتفسير هذا السلوك بمنطق الرأسمالية، الاقتصاد الحر و المنافسة الشريفة ، تناسل عدد الجمعيات المعتمدة على الدعم والإعانات وبالمقابل تقلص عدد الشركات المنتجة والمدرة للدخل

استشراء التواكل ربما يأتي من خلل في استيعاب المعنى الحقيقي للتوكل والأخذ بالأسباب،فمعنى الرزق يظل مبهما ونعطيه تأويلا معينا حسب قناعاتنا والتأثيرات المحيطة بنا. فالاستيعاب الخاطئ لمفهوم الرزق يجرُدنا من هامش الاختيار و القرار الذي خصنا به المولى جل جلاله. كما أن الإيمان ببعض المعتقدات و الأفكار الهدَامة مثل الغاية تبرر الوسيلة فلا نقاش لنوعية الغاية ولا لطبيعة الوسيلة المهم هو النتيجة، الحديث المبالغ فيه عن الواقعية وتجريدها من كل مثالية، العمل والكد من أجل الوصول إلى نتيجة بالضرورة مادية و ليس العمل حبا في مبدأ العمل، احتكار النشاط الاقتصادي من طرف حفنة من المحظوظين وقتل كل حركية اقتصادية. كل هذه الأسباب و التجليات تقود إلى ترسيخ ترسانة من المبادئ الأخرى كالانتهازية، سمو منطق الريع والربح السريع، اليأس في حالة عدم وصول للمبتغى وفقدان بوصلة الأمل في كل ما هو آت، خلط في المفاهيم وضياع المجموعة بأكملها بعد تآكل كل مقومات قوتها

العمل قيمة معنوية قبل أن تكون مادية، فالعمل هو إنتاج، عطاء، إسهام في نمو المجموعة و الاستمتاع بنشوة تقديم القيمة المضافة و الاستقلال عن كل تبعية كيفما كان نوعها

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *