مجرد تدبر معنى المصطلح يحيل على سيرورة من العمليات الذهنية والحسية المتزامنة والمتناسقة التي تتطلب تركيزا معينا ويقظة. كما أنه باتباع نظرة أكثر عمقا وواقعية وعقلانية يتبين أن مسألة القراءة ترقى إلى مسالة حياة أو موت، مسألة وجود أو غياب أو ببساطة مسالة قوة أو هوان. إذ أن القراءة تنتقل من نشاط تطوعي مزاجي إلى فعل ملازم إجباري باعتبار دورها المفصلي في حماية الأمن القومي خصوصا في زمن الاستلاب الثقافي والتنميط الذي نعيشه. كيف ذلك؟
يشرع في بناء نسق منظومة الأمن القومي من شخصية الإنسان وتنتهي عنده، إذ يجسد الفرد في نفس الوقت الغاية وأدوات التنفيذ. هناك مستويات ثلاث يبدو من الضرورة القصوى التركيز والعمل عليها بجدية ويتعلق الأمر بالمستوى النفسي والذهني و المستوى الفكري ومستوى الشخصية
من النافل القول بأن القراءة غالبا ما تشتغل كصفقة مربحة بالنسبة للقارئ حيث أنه هناك علاقة رابح رابح بين القراء والقارئ. على المستوى الفكري، تمكن القراءة من ولوج و اكتساب المعرفة، تطوير فكر نقدي فعال، تنوير العقل، التخلص من سلطة اليقينيات والمخيال الاجتماعي المتقادم، اكتساب الحكمة والتجربة دون عيشها
على المستوى النفسي تقوم القراءة بتطهير النفس ومنح توازن نفسي باجتثاث منابع الهلع والقلق وعدم الاستقرار ،كبح ميول الغرائز الحيوانية، التخفيف من حدة الخوف والعنف، وتغليب سلطة العقل على العاطفة، التحكم في ردود الفعل و بعث بوادر التحفيز الذاتي واكتساب الثقة في النفس
بخصوص المستوى الشخصي، للقراءة إسهام واسع في بناء شخصية عصامية منفتحة قادرة على الإمساك بزمام الأمور والمبادرة الشخصية، التخلص من التبعية للآخر، اتخاذ القرار، إيجاد الحلول للمشاكل، اكتساب فضائل القيم كقيم العمل والإخلاص والمثابرة، فتح آفاق الأمل في صنع المستقبل بزرع روح التفاؤل
عندما تجتمع هذه المقومات النفسية والشخصية والفكرية في العنصر البشري، سيكون حتما من الصعب اختراقه أو استدراجه من طرف إغراءات داخلية أو خارجية على حد سواء لأنه محصن سلفا بممانعة داخلية تجعله مدركا للأخطار التي قد تطوق البلد ككل وتهدد مستقبله ،بل ينخرط كليا في المساهمة في مشاريعه النهضوية المستقبلية بأدائه لواجباته والإيمان الخالص بوطنيته وانتمائه
غني عن البيان القول بأن الفكر الظلامي يجد المرتع المناسب لتبيئة أفكاره وسمومه حيث يزخر المجتمع بالتناقضات الداخلية التي ولدها الجهل والفقر واليأس وعدم الاستقرار النفسي والذهني والسيكولوجي و الاضطرابات الفيزيولوجية، غير أنه يمكن تحويل القراءة إلى سلاح وقائي استباقي يحول دون شيوع تلك البيئة المرحبة بالإرهاب والعنف
القراءة تقي من التشدد، التعصب، الشعبوية، السفسطة وعمليات غسل الدماغ وتمنح المناعة لاستدامة الممانعة، لذلك نتوق أن نعيش في كنف مجتمع قارئ ثقافته العلم والمعرفة الإنتاج والإبداع، ويبدو أن ذلك لن يتحقق في غياب إرادة سياسية حقيقية ونخبة مثقفة نزيهة، ولا نملك إلا الأمل والتفاؤل