تحتاج النفس البشرية إلى مجموعة من المقومات و الملكات لكي تسمو وترقى و تحظى باحترام الآخرين. يمكن الحديث عن بعض مكارم الأخلاق كالتواضع، حب الآخر ونكران الذات، اللياقة والمروءة، الكرم و الاعتراف بالجميل. من جهة أخرى تتجاذب و تتكثل مجموعة من الخبائث و الأورام وتعزل النفس في مستنقع المكاره من قبيل الغطرسة، الاعتداد بالنفس، الجحود، الجهل، العنف، الصفاقة، الأنانية النفاق و الكذب. لكل امرئ حق اختيار انتمائه، نهج عيشه و تكوين هوية شخصيته و ذخيرته
نقف عند مصطلح الصفاقة، أسباب طغيانها على الشخصية و مظاهر تجلياتها. فالصفاقة أو الوقاحة تعني قلة تهذيب النفس و فقدانها لأبجديات اللباقة و الحياء. فهي استثمار للجرأة بطريقة فضة وشاذة لا تبدي أي اعتبار لنفسية الآخر أو أحاسيسه
تأتي الصفاقة من خلل في التركيبة الأخلاقية للفرد من خلال خلل في التربية التي تلقاها من الأم،المدرسة أو التأثيرات الخارجية لمحيطه. كما تنبعث الصفاقة من رحم الأنانية و عدم الاكتراث بالآخرين أو شيوع جانب الشر على جانب الخير في النفس الواحدة مما يؤدي إلى فقدان ملكة ضبط النفس و انفلاتاتها. يبدو إذن أنها تتغذى من خبائث النفس فتعكسها مجتمعة من خلال ذاك السلوك الوقح و البشع للفرد.
للوقاحة تجليات متعددة أبرزها ترتبط بسلوك الفرد الواحد عند تعامله و تحاوره مع الآخرين، لذا تتبادر إلى أذهاننا صيغة وقاحة الوجه والتي تقرن الصفاقة بالوجه. ربما لأن هذا العضو هو المعبر عن سلوك الشخص من خلال تقاسيمه و إيحاءاته. فالوقح يبدي صفاقته عند التحاور أو الجدال فيلغي كل أخلاقيات الحياء و الخجل ويمضي قدما في مسعاه. كما نلمس الصفاقة في السياسة عند فرض مجموعة ما لنفسها على الآخرين و اغتصاب حقوقهم في الاختيار و المشاركة في صنع القرار. فحب السلطة و المناصب يهوي بمرتزقته إلى أشد و أقبح أنواع الصفاقة. يمكن الحديث كذلك عن التملص من المسؤولية والمحاسبة مع تزامن تناقض الادعاءات مع المناهج المتبعة، اختصار عملية تنمية الناتج الداخلي الإجمالي في الزيادة في الضرائب، رهن مستقبل البلد بالديون الخارجية، استخفاف الرأي العام و الاستهتار بآرئه إلخ
نلمس واقع الصفاقة كذلك في الفن والثقافة، فأغلب ما يسمى بالفنانين فرضوا أنفسهم على العموم دون حياء أو خجل و ينعثون أنفسهم بالفنانين و هم لا يملكون أدنى ملكاته أو مؤهلاته. إذ الفنان إنسان رهيف الإحساس، حساس بطبعه و خجول لا يستطيع العيش تحت الأضواء، غالبا ما تجده منعزلا ولا يدعي أنه فنانا
فالفن عموما يهذب النفس ويربي الذوق و يرقى بهما إلى قمة الجماليات و ليس حضيض الفواحش
الوقاحة وللأسف ألقت بظلالها حتى على المجال الديني من خلال أفراد يستثمرون الدين لأجندة دنيئة فهم يوزعون الأحكام و يستأثرون بالوصاية على عامة الناس و لا يتوقفون عن إبداء دروس الوعظ والنصح من بروجهم العاجية المتهارية في زمن الجهل و التخلف حيث يسهل تمرير الخطب و الخطط وراء أقنعة الدين
يمكن للواحد منا القول أن كل ما تم الحديث عنه هو أمر عادي وطبيعي مع إفلاس منظومة الأخلاق والقيم لدينا وأفولها على مستوى الممارسة. الطرح بأن الأمر عادي يمكن استيعابه لكنه أن يصبح معتادا فهو أشد أنواع الخطر قتامة وفتكا