رمضان على أرض الواقع

تزخر السنة بنفحات ربانية يكرمنا بها الله عز وجل عسى أن نغتنمها ونستثمرها فيما هو مفيد لنا في الدارين. يأتي رمضان في زخم هذه النفحات ويبقى الشهر الأفضل لما يتميز به من خير وسكينة مقارنة مع باقي الأشهر
رمضان هو شهر العبادة و العمل بامتياز، شهر القطيعة مع الماضي بمختلف سلبياته وأخطائه. في رمضان تعلو الروح على المادة فيعلو بذلك شأن الشخص إذا استوفى الشروط المطلوبة، يتفوق كل ما هو روحاني من قيم و أعمال على كل ما هو غرائزي، فيشكل بذلك فترة للتدبر و إعادة النظر في نمط عيش بأجمله. تثبت و تقوى العزيمة، تكتسب و تمنح البصيرة للنظر إلى الحياة نظرة جميلة مخالفة لما هو معتاد
لكن كم منا يستوعب ويمارس هذا الوعي الراقي الأصيل كما مارسه السلف الصالح، كم منا يتخذ الخطوة لإحداث القطيعة مع سلوك الماضي. كم منا أعاد المحاولة وألح عليها
على النقيض من ذلك، في رمضان نحس بنوع من الاشمئزاز لتفشي مجموعة من السلوكيات الرجعية و الأفكار السرطانية. يشل العمل وتعطل المصالح فيعم الكسل و التواكل خصوصا في النهار. نفقد الأعصاب بسرعة و لا نعير للوقت اهتماما فيغيب بذلك تدبير الوقت و المجهود ( الغائب أصلا). يشتغل المطبخ داخل أغلب المنازل بإيقاع مضاعف مقارنة بالأيام العادية مما يعكس تضاعف وتيرة الاستهلاك داخل البيوت. يكثر الاهتمام بالرخص للإفطار ويطغى كل ما هو سطحي في الأحاديث الدينية. و بذلك يطفو إلى السطح نمط عيش فوضوي إذا أمكن تسميته نمطا من الأصل
رمضان يعكس تدني أخلاقنا و غياب قناعاتنا على أرض الواقع و تمادينا في التنظير لا التطبيق
من المفترض أن يكون رمضان فرصة للتخلص من جميع الشحنات النفسية السلبية و الممارسات الشنيعة غير أنه يصبح فرصة لعكس خبث النفس البشرية و إفراز مجمل نواقصها من جهل، أنانية، شجع، عصبيةرمضان هو فرصة لترويض النفس و الارتقاء بها إلى درجات عليا من الإنسانية والترفع. تهذب الجوارح و ترسخ المعاني. نقوم بمساءلة الذات لكبح نزواتها و تسخير قواها فيما يفيد الفرد والجماعة على حد سواء
بذلك يكون رمضان مدرسة تربوية روحانية عملية واقعية بامتياز. يلتقي من خلاله الملقي و المتلقي في نفس الشخص لإنتاج إنسان بما تحمله الكلمة من معنى