كلنا نتحدث عن التاريخ ونشعر بالحنين إليه ونوظف مصطلحات من قبيل التأريخ، التاريخانية، التاريخية، المؤرخ، دورة التاريخ. لكن هل نعي فعلا معانيها ونستعيرها في بناء المستقبل
نعيش تحت رحمة الماضي ونواجه تحديات الحاضر والمستقبل بالارتهان إلى تراث الأجداد. فانقطع بذلك الإبداع و الإسهام وانتشر التقليد والاستنساخ وعم التواكل والخمول واندحرت قيم العمل و الأخذ بالأسباب . لكل حدث وقع تاريخيته ولكل حكم صدر مقاصده ومع ذلك نقوم بعملية إسقاط للماضي على الواقع المعاش دون اجتهاد لفهم خبايا الحاضر ومميزات كل عصر
ترك الأجداد ودون شك كنوز من المعرفة والمدارك غدت ميتة في غياب أي عملية إحياء لما انفصلنا عنه. أصيبت اجتهاداتنا بالشلل والاحتضار في ظل تغييب و تحقير العقل مقابل تسييد الجهل والظلامية
حاول كبار مفكرينا كشف الغمة من خلال تشريح العقل العربي لمعرفة مؤثراته وخلفياته. وأكد معظمهم على تعلق الفرد منا بماضيه إلى درجة الأسر و التقييد، فكان بذلك المنحى السائد هو الرجوع إلى الوراء عوض الإقدام على المستقبل
عند أي معضلة نصاب بالجبن وعوض إبداء الشجاعة بمواجهة صريحة نهرول إلى التهليل لانجازات الأجداد وننكمش ونرضخ للأمر الواقع ونقر بالهزيمة، فتتراكم الهزائم والكبوات ويدب اليأس والاستسلام إلى النفوس
نفتخر بماض لانعرف خباياه ولم نصنعه ولم ندرسه حق الدراسة ولا نبدي للتاريخ أي اهتمام أو دراسة معمقة تفيد فهم غموض الحاضر و استبصار المستقبل. كيف يمكن إذن تفسير عملية إعادة ارتكاب نفس الأخطاء سوى بعدم الاعتبار من هفوات الماضي وجهلها؟ نستأنس بالحلول الترقيعية والمؤقتة وننفر كل تشريح موضوعي عقلاني للمشكل، فتتغير الحلول وتتكاثر دون زوال المعضلة أو بيان أسبابها. فتتعمق الأزمات وتتشعب
واقع يتميز بالخنوع والعبث، إذ تغيب عنا الرؤيا فنظل غرقى التياهان والضياع
البعض يتوق إلى حكم إسلامي أسوة بحكم النبي (ص) والخلفاء الراشدين وينسى أو يتناسى واقع الدولة القٌطرية. هناك من يدعو إلى القطيعة مع الغرب دون اعتبار التطويق والحصار الذي نعيشه. هناك من يلغي تاريخية الأحكام ويطالب بتطبيقها دون فسح المجال لأي اجتهاد. والبعض منا يتحدث عن مصطلحات وليدة ثقافة غربية ويهمل مسألة تبيءتها
المستقبل يصنع من خلال معطيات الحاضر وتجارب الماضي عن طريق عملية تبصر تستند على الدراسات العلمية الدقيقة والجادة وليس بالارتجال واتخاذ قرارات مزاجية آنية لا تولد ولا تكرس إلا البؤس